تُواجه سوريا مرحلة مفصلية في تاريخها بعد سقوط نظام الأسد، حيث تقف البلاد عند مفترق طرق لإعادة بناء الدولة واقتصادها الذي أنهكته الحرب. من بين القطاعات الحيوية التي يمكن أن تكون ركيزة أساسية لإعادة الإعمار هو قطاع النفط والغاز، الذي كان يُعد يوماً ما أحد أبرز مصادر الدخل للبلاد. ولكن ماذا عن مستقبل هذا القطاع؟ وما هي السيناريوهات والتحديات التي تواجهه؟
انهيار قطاع النفط خلال الحرب
قبل عام 2011، كانت سوريا تُنتج حوالي 400 ألف برميل من النفط يومياً، ووصل الإنتاج في بعض الفترات إلى نصف مليون برميل يومياً. هذا الإنتاج كان يُدر على البلاد عوائد سنوية تُقدر بـ 15 مليار دولار عند سعر 70 دولاراً للبرميل. لكن بعد اندلاع الحرب، تهاوى الإنتاج بشكل حاد، ووصل إلى 15 ألف برميل يومياً في عام 2015، وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. وبحلول عام 2023، ارتفع الإنتاج قليلاً إلى 40 ألف برميل يومياً، إلا أنه ما زال بعيداً عن مستويات ما قبل الحرب.
أما إنتاج الغاز، فقد انخفض من 30 مليون متر مكعب يومياً قبل الحرب إلى 10 ملايين متر مكعب يومياً، وهو أقل من احتياجات البلاد لتشغيل محطات الكهرباء، التي تتطلب 18 مليون متر مكعب يومياً. هذا التراجع الكبير في الإنتاج حوّل سوريا من مصدر للطاقة إلى مستورد يعتمد على الخارج لتأمين 95% من احتياجاتها النفطية.
التحديات أمام إعادة الإعمار
إعادة قطاع النفط والغاز إلى سابق عهده تتطلب تجاوز عدد من العقبات، أبرزها:
- رفع العقوبات الدولية: العقوبات الغربية، وأبرزها “قانون قيصر”، تُعد واحدة من أكبر التحديات التي تُواجه الإدارة الجديدة. هذه العقوبات تُقيّد وصول سوريا إلى التقنيات والموارد الضرورية لإعادة تشغيل قطاع النفط بكامل طاقته.
- استقرار الوضع الأمني: الاستقرار السياسي والأمني يُعد شرطاً أساسياً لجذب الاستثمارات الأجنبية وإعادة بناء البنية التحتية المتضررة.
- التعاون مع القوى المحلية والدولية: معظم احتياطي النفط السوري يقع في المناطق التي تُسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تدعمها الولايات المتحدة. هذا يتطلب التعاون مع “قسد” والتفاوض مع واشنطن لتجميد العقوبات.
- نقص الموارد المالية: احتياطي النقد الأجنبي في سوريا لا يتجاوز 200 مليون دولار حالياً، بحسب تصريحات رئيس الحكومة المؤقتة محمد بشير. هذا النقص الحاد في الموارد يُعقد من قدرة الحكومة على تمويل شراء النفط والغاز لتلبية الاحتياجات المحلية.
الآمال المعلقة على القطاع
رغم التحديات، يُمكن لقطاع النفط أن يكون شريان حياة للبلاد. البداية ستكون بتلبية الاحتياجات المحلية، التي تُقدر بنحو 100 ألف برميل يومياً، 80% منها مخصصة للديزل والوقود، والباقي للبنزين ووقود الطائرات. تمتلك سوريا مصفاتين كبيرتين للنفط، هما مصفاة بانياس ومصفاة حمص، بطاقة إجمالية تبلغ 220 ألف برميل يومياً. ورغم تعرضهما لأضرار جسيمة خلال الحرب، تشير التقارير إلى إمكانية إعادة تشغيلهما بقدرة أقل في المستقبل القريب.
الاتفاق مع “قسد” والطاقة البديلة
تسيطر “قسد” حالياً على معظم الحقول النفطية الكبرى في البلاد، مثل حقل السويدية وحقل الرميلان في الحسكة، وحقل العمر في دير الزور. هذه الحقول تُعد مفتاحاً لإعادة الإعمار، وهو ما يجعل التعاون مع “قسد” ضرورة ملحة.