تشهد العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة حقبة جديدة من التعاون المثمر، حيث أعلنت 50 شركة بريطانية عن تأسيس مقار إقليمية لها في المملكة، مدفوعة بالفرص الاستثمارية التي أتاحتها رؤية السعودية 2030. هذا الإعلان يعكس تطورًا كبيرًا في الشراكات الاقتصادية، مع توقيع 50 اتفاقية بين الجانبين في قطاعات استراتيجية، بإجمالي استثمارات تجاوز 7.7 مليار جنيه إسترليني.
تحفيز التجارة والاستثمار
وفقًا لبيتر آشبي، مدير التجارة والاستثمار البريطاني في السعودية، تبلغ قيمة التجارة الثنائية بين البلدين أكثر من 17 مليار جنيه إسترليني، مع توقعات بنموها بشكل كبير في السنوات المقبلة. ويعمل البلدان بشكل مشترك على تعزيز اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة ودول الخليج، والتي يُتوقع أن ترفع التجارة بنسبة 16%، ما يعني إضافة 8.6 مليار جنيه إسترليني سنويًا.
الشراكات بين البلدين لم تقتصر على التجارة فقط، بل امتدت إلى مشاريع الطاقة النظيفة، التي بلغت قيمتها 7.7 مليار جنيه إسترليني، مع توفير 4000 وظيفة في المملكة المتحدة. كما أن المملكة العربية السعودية أصبحت مركزًا رئيسيًا لإصدارات السندات والصكوك من خلال بورصة لندن، حيث بلغ رأس المال المُجمع 41.8 مليار دولار في عام 2024.
رؤية مشتركة للنمو
الجهود المبذولة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين تتماشى مع رؤية السعودية 2030 والإستراتيجية الصناعية البريطانية. وقد أطلقت مبادرة “مستقبل واعد” في مايو 2024 لتعزيز الشراكات التجارية والثقافية والسياحية. وتعد هذه الخطوة وسيلة لتوحيد الجهود بين الحكومتين لدعم القطاعات ذات الأولوية، مثل التكنولوجيا المالية، وعلوم الحياة، والبنية التحتية المستدامة.
بالتوازي، تستثمر المملكة المتحدة في دعم التنويع الاقتصادي السعودي من خلال خبراتها في القطاعات غير النفطية، بما في ذلك الابتكار الرقمي، والتكنولوجيا النظيفة، والرعاية الصحية، والصناعات الإبداعية. على سبيل المثال، أعلنت شركة Phytome Life Sciences البريطانية عن شراكة مع هيئة البحث والتطوير والابتكار السعودية لتسريع الأبحاث في الأدوية والمواد الزراعية.
المشاريع العملاقة: منصة للتعاون
تلعب الشركات البريطانية دورًا رئيسيًا في المشاريع العملاقة التي أطلقتها السعودية، مثل مشروع “نيوم”. ومن أبرز الأمثلة، شركة “جرافين إنوفيشن” البريطانية، التي تعمل على مصنع تجاري لإنتاج ألياف الكربون المدعمة بالجرافين. هذا المشروع، الذي يستهدف توليد استثمارات بقيمة 250 مليون جنيه إسترليني، يُظهر كيف يمكن للتكنولوجيا المتقدمة تعزيز المشاريع المستدامة في السعودية.
دعم الاستدامة والبنية التحتية الذكية
مع تركيز السعودية على الاستدامة، تقدم الشركات البريطانية خبرات رائدة في مجالات احتجاز الكربون والبنية التحتية الذكية. على سبيل المثال، تعاونت شركة كاربون كلين البريطانية مع أرامكو لتطوير تقنيات احتجاز الكربون، مما يعزز أهداف الاستدامة البيئية للمملكة.
كما أن الشراكات في مجال الخرسانة المستدامة بين شركات بريطانية وسعودية تسهم في تحقيق أهداف رؤية 2030، بما في ذلك خطط لإنتاج ملايين الأطنان من مواد البناء الصديقة للبيئة سنويًا.
تحديات وفرص مستقبلية
على الرغم من التطورات الإيجابية، تواجه الشركات بعض التحديات مثل الحاجة لفهم ديناميكيات السوق السعودي وسرعة التغيرات الاقتصادية. ومع ذلك، تعمل الحكومتان على إزالة العقبات وتعزيز الشراكة من خلال تحسين الوصول إلى الأسواق، وتقديم الدعم عبر مبادرات مثل حملة “المستقبل العظيم”، التي تهدف إلى بناء علاقات تجارية متينة.
