مع استمرار المملكة العربية السعودية في تنفيذ خططها الطموحة لتحقيق رؤية 2030، برزت الاكتتابات العامة الأولية كأداة رئيسية لتحفيز الاقتصاد وتنويعه، مما أدى إلى ظهور جيل جديد من أصحاب الثروات والمستثمرين الأفراد الذين استفادوا من هذه التحولات الاقتصادية الكبرى.
تحول جذري في صناعة الثروة
شهد عام 2024 تحولاً ملحوظاً في المشهد الاقتصادي السعودي، حيث أطلقت 16 اكتتاباً عاماً أولياً، جمعت من خلالها الشركات المدرجة حوالي 15.2 مليار ريال سعودي (4.1 مليار دولار). هذا الزخم ساهم في خلق 11 مليارديراً جديداً في المملكة، مما يعكس حجم الفرص الاقتصادية التي وفرتها هذه الاكتتابات.
من بين هؤلاء، برزت أسماء بارزة في قطاعات مختلفة مثل الرعاية الصحية، التجارة الإلكترونية، والإعلام، مما يعكس تنوع المجالات التي يمكن أن تكون مصدراً للثروة في المملكة بعيداً عن النفط، الذي كان لعقود طويلة الدعامة الرئيسية للاقتصاد السعودي.
قطاع الرعاية الصحية: قصة نمو مذهلة
كان قطاع الرعاية الصحية أحد أبرز المستفيدين من هذه التحولات. فقد كشف هذا القطاع وحده عن خمسة مليارديرات جدد في عام 2024، أبرزهم أبناء الدكتور سليمان الفقيه بعد طرح شركة “فقيه الطبية” للاكتتاب العام، بالإضافة إلى عبدالله الموسى، المالك المؤسس لشركة “الموسى الصحية”.
يعكس هذا النجاح الاهتمام الحكومي المتزايد بالقطاع الصحي، حيث تسعى المملكة إلى تغطية 70% من السكان بالتأمين الصحي الخاص بحلول عام 2030. وتشير التوقعات إلى أن حجم السوق الصحي السعودي سينمو بنسبة 6.5% سنوياً ليصل إلى 360 مليار ريال بحلول نفس العام.
التجارة الإلكترونية: سعوديون يكررون قصة “جيف بيزوس”
التجارة الإلكترونية كانت أيضاً منصة لصناعة الثروات. الشاب السعودي عمر العليان، مؤسس شركة “نايس ون”، حقق قصة نجاح مذهلة. فقد بدأ مشروعه في عام 2017 كرائد أعمال شاب، لينجح في طرح شركته للاكتتاب العام هذا العام. بلغت قيمة ثروته الشخصية نحو 1.5 مليار ريال، بينما حصد ابن عمه وشريكه عبدالرحمن العليان 1.3 مليار ريال.
“نايس ون”، التي بدأت برأسمال مليون ريال فقط، تحولت إلى شركة بقيمة سوقية ضخمة بفضل الاستفادة من التحول الرقمي المتسارع في المملكة.
الإعلام والعطور: قصص نجاح ملهمة
قطاع الإعلام كان له نصيبه من صناعة المليارديرات، حيث قفز اسم وليد آل إبراهيم، مؤسس مجموعة “إم بي سي” (MBC)، إلى قائمة المليارديرات بعد طرح المجموعة للاكتتاب العام. وبلغت قيمة حصته في المجموعة حوالي 6.5 مليار ريال.
وفي قطاع العطور، نجحت شركة “الماجد للعود”، التي أسسها علي بن عثمان الماجد، في أن تصبح إحدى أبرز الشركات المدرجة هذا العام، بقيمة سوقية بلغت 3.7 مليار ريال. وقد توزعت ملكية الشركة بين أبناء المؤسس، مما جعلهم من بين أصحاب الثروات البارزين في المملكة.
التحديات والفرص القادمة
رغم النجاحات الكبيرة، فإن عمليات الاكتتاب ليست سهلة، إذ تتطلب الشركات تقديم قصص نمو قوية لجذب المستثمرين، وسط المنافسة المتزايدة في السوق. وكما أشار سامر الدغبلي، الرئيس المشارك لأسواق المال في “إتش إس بي سي”، فإن جذب اهتمام المستثمرين يتطلب استراتيجيات مدروسة لضمان استمرارية الطروحات.
من جهة أخرى، يشير خبراء إلى أن إدراج الشركات العائلية في البورصة يساهم في فصل الملكية عن الإدارة، مما يعزز الحوكمة والشفافية، ويضمن استمرارية الشركات عبر الأجيال.