في ظل التصعيد المستمر للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، يعيش المصدرون الصينيون حالة من التغيير الجذري في استراتيجياتهم المالية. فقد بدأ العديد منهم بالتخلص من حيازاتهم بالدولار الأمريكي لصالح العملة المحلية، اليوان، معتبرين أن الوقت قد حان لتحويل الإيرادات إلى العملة الوطنية بعد أن شهد اليوان استقراراً نسبياً عقب موجة من التراجع الحاد.
رهانات المصدرين وتغير الأولويات
استطلاع أجرته وكالة “بلومبرغ” كشف أن 18 من كبار المصدرين الصينيين، الذين يمثلون قطاعات مختلفة تشمل الأثاث، السيراميك، الإضاءة الزخرفية، الملابس، وحتى البستنة، قد تحولوا بالفعل إلى اليوان أو يخططون لذلك بشكل فوري. هذا التحول يأتي في الوقت الذي يعتبر فيه المصدرون أن سعر الصرف الحالي لليوان البالغ نحو 7.3 لكل دولار يشكل فرصة مناسبة، خاصة بعد أن شهدت العملة الصينية تراجعات كبيرة في العامين الماضيين.
ألبرت تشاي، رئيس مجلس إدارة شركة “أروما إنترناشيونال تريد” المتخصصة في تصدير زينة الهالوين، يرى أن تراجع اليوان إلى هذه المستويات قد يكون “أسوأ سيناريو” ممكن، مشيراً إلى أن استقرار العملة في نطاق 7.25 إلى 7.35 لكل دولار يساعد الشركات على إدارة عمليات التجارة عبر الحدود بشكل أفضل.
ضعف اليوان… فرصة أم تحدٍ؟
رغم أن ضعف اليوان يمثل تحدياً كبيراً للاقتصاد الصيني، إلا أنه يفتح الباب أمام فرص جديدة للمصدرين. فالكثير من هؤلاء كانوا يحجمون عن تحويل أرباحهم بالدولار إلى اليوان في ظل تراجع قيمة العملة المحلية، إلا أن الوضع الحالي يدفعهم إلى الاستفادة من هذه السيولة لدعم عملياتهم، خصوصاً مع تقلص هوامش الأرباح نتيجة الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة، التي وصلت إلى 145% على بعض السلع.
دور الحكومة الصينية
الحكومة الصينية بدورها لم تقف مكتوفة الأيدي. فقد تعهدت بكين يوم أمس بتقديم مزيد من الدعم للمصدرين المتضررين من الرسوم الجمركية الأمريكية. وأكدت خططاً لضمان حصول الشركات المتعثرة على القروض اللازمة، إلى جانب تعزيز الاستهلاك المحلي كوسيلة لتحفيز الاقتصاد.
كما أن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) لعب دوراً محورياً في تهدئة تقلبات السوق، حيث حرص على إبقاء سعر الصرف تحت السيطرة من خلال تحديد سعر مرجعي يومي لليوان يمنع حدوث انخفاضات كبيرة.
آفاق مستقبلية
بينما تسعى الصين جاهدة للتعامل مع تداعيات الحرب التجارية، لا تزال العملة الصينية واحدة من أسوأ العملات أداءً في آسيا هذا العام. ومع ذلك، فإن المصدرين الصينيين يرون في هذا الوضع فرصة لإعادة ترتيب أولوياتهم المالية والاستفادة من استقرار العملة النسبي. ويبقى السؤال: هل ستنجح هذه الاستراتيجية في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية؟ أم أن الحرب التجارية ستفرض مزيداً من الضغوط على ثاني أكبر اقتصاد في العالم؟
في النهاية، يبدو أن المصدرين الصينيين قد أدركوا أن الرهان على الدولار لم يعد الخيار الأمثل، وبدلاً من ذلك، اختاروا العودة إلى جذورهم المالية معتمدين على اليوان كوسيلة للتكيّف مع الظروف المتغيرة. هذه الخطوة قد تكون بداية لمرحلة جديدة من التحديات والفرص في الاقتصاد الصيني، الذي يواصل السعي لتحقيق التوازن بين النمو المحلي والتنافسية العالمية.
