بعد سنوات من العزلة السياحية، بدأت الجزائر في اتخاذ خطوات جادة لفتح أبوابها أمام الزوار الأجانب، ولكن بحذر مدروس. تُعد هذه الخطوة تحوّلًا كبيرًا بالنسبة لدولة لطالما اختارت الانغلاق، سواء بسبب تاريخها المليء بالصراعات أو رغبتها في الحفاظ على هويتها الثقافية بعيدًا عن التأثيرات الخارجية.
إرث تاريخي وثقافي غني
الجزائر، أكبر دولة في قارة إفريقيا، تزخر بثروة تاريخية وثقافية لا مثيل لها. من أطلال الرومان في “جميلة” إلى المساجد البيضاء والقصور العثمانية في العاصمة، تمتزج التأثيرات المعمارية والفنية التي تركتها القرون الماضية. وعلى الرغم من ذلك، ظلت الجزائر بعيدة عن الأنظار السياحية لسنوات طويلة، واختارت أن تحافظ على خصوصيتها وسط عالم يشهد عولمة متزايدة.
أشار المقال إلى أن الزائر إلى الجزائر يُدهش من وجود ثقافة نابضة بالحياة تتمثل في الموسيقى، مثل أغاني الراي الشهيرة والهيب هوب العصري، مرورًا بالاحتفالات التقليدية مثل الزغاريد والرقص الشعبي الذي يسود الشوارع في المناسبات. الجزائر ليست فقط موطنًا للمناظر الطبيعية الخلابة ولكنها أيضًا نافذة إلى تراث غني يروي قصص أجيال مضت.
التحديات التي واجهتها الجزائر
مرت الجزائر بفصلين مؤلمين من تاريخها تركا بصمة عميقة على هويتها الوطنية. الأول تمثل في ثورة الاستقلال التي استمرت ثماني سنوات ضد الاستعمار الفرنسي حتى عام 1963، والثاني في الحرب الأهلية الطاحنة التي عرفتها التسعينيات، والتي أطلق عليها الجزائريون “العشرية السوداء”. هذه الأحداث ساهمت في انغلاق البلاد على نفسها، حيث فضلت الحفاظ على استقرارها وهويتها بدلًا من الانفتاح على العالم الخارجي.
رغم انتهاء هذه الفصول الدامية، ظل القطاع السياحي ضعيفًا، إذ لا تتجاوز مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي 2%، بينما يعتمد الاقتصاد بشكل كبير على قطاع النفط الذي يشكل حوالي 25% من الناتج المحلي.
خطوات نحو الانفتاح السياحي
شهدت السنوات الأخيرة تغيرًا ملحوظًا في السياسة السياحية الجزائرية. أطلقت الحكومة في عام 2023 برنامج التأشيرة عند الوصول كخطوة أولى لجذب الزوار الأجانب. ومع ذلك، لا تزال هذه الخطوة محصورة بشروط صارمة، إذ تُمنح التأشيرات فقط للسياح الذين يخططون لقضاء 70% من وقتهم في الجنوب الصحراوي. أما بالنسبة للزوار الآخرين، فلا تزال الإجراءات معقدة، وتتطلب كميات كبيرة من الوثائق ومرافقة الشرطة الإلزامية، التي تُفرض لأسباب بيروقراطية أكثر منها أمنية.
إلى جانب ذلك، يواجه السياح تحديات أخرى مثل غياب خدمات الدفع الإلكتروني في معظم الأماكن، وضعف شبكات الإنترنت، ما يجعل التجربة السياحية أقل سلاسة مقارنة بجيران الجزائر مثل المغرب وتونس.
جمال الطبيعة والعمق الثقافي
رغم هذه التحديات، تقدم الجزائر تجربة سياحية فريدة من نوعها. فمن العاصمة الجزائر بمبانيها ذات الطراز الهوسماني والقصبة التاريخية، إلى قسنطينة التي تتميز بجسورها السبعة المعلقة فوق الوديان، والصحراء الكبرى التي تقدم مناظر طبيعية خلابة ومغامرات لا تُنسى، يجد الزائر نفسه مأخوذًا بسحر البلاد.
الجزائر ليست وجهة سياحية مزدحمة، وهذا ما يجعلها جذابة لأولئك الباحثين عن تجربة أصيلة. كما أشار أحد الزوار الأجانب في المقال: “أحب زيارة الأماكن قبل أن يصلها فرع لستاربكس”، في إشارة إلى رغبة الزوار في استكشاف أماكن بعيدة عن السياحة الجماعية.
مستقبل السياحة في الجزائر
تطمح الجزائر إلى استقبال 12 مليون زائر سنويًا بحلول عام 2030 كجزء من استراتيجيتها لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط. ومع ذلك، عليها أن تتعامل مع مجموعة من التحديات لتحقيق هذا الطموح. بين المنافسة الإقليمية مع المغرب وتونس، وتحسين البنية التحتية والخدمات السياحية، تحتاج الجزائر إلى تقديم تجربة أكثر سلاسة للزوار دون أن تفقد جوهرها الثقافي.