من النفط إلى الذكاء الاصطناعي: خريطة الاستثمارات بين السعودية وأمريكا

تشهد العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية نقلة نوعية جديدة مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للسعودية، التي تأتي كأول زيارة خارجية له بعد توليه الرئاسة في ولايته الجديدة. هذه الزيارة ليست مجرد حدث سياسي، بل تمثل منعطفاً مهماً يبرز السعي المشترك نحو توسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والتي تمتد لعقود طويلة، بفضل تقاطع الرؤى الاقتصادية والإستراتيجيات المستقبلية.

استثمارات بمئات المليارات: شراكة استراتيجية طويلة الأمد

في ظل الطفرة الاقتصادية والمشاريع الضخمة التي تشهدها السعودية، والتي تُعد جزءاً من رؤية المملكة 2030، تأتي هذه الزيارة لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية. فالسعودية تستثمر أكثر من 770 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، بالإضافة إلى 126.4 مليار دولار في سندات الخزانة الأمريكية، مما يجعلها واحدة من أكبر الشركاء الاستثماريين في الولايات المتحدة.

صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يُعتبر أحد المحركات الرئيسية لرؤية 2030، يلعب دوراً محورياً في هذه العلاقات، باستثمارات تجاوزت 26.8 مليار دولار في السوق الأمريكية. تشمل هذه الاستثمارات قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا، العقارات، التجارة الإلكترونية، السيارات الكهربائية، والسياحة، مع تركيز كبير على شركات عملاقة مثل مايكروسوفت، أمازون، وإنفيديا، بالإضافة إلى استثمارات ضخمة في شركتي “لوسيد” و”أوبر”.

توسيع نطاق التعاون: فرص واعدة للنمو

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أكّد في اتصال هاتفي سابق مع الرئيس الأمريكي، على رغبة المملكة في توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة، لتصل إلى 600 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة. هذا الطموح يُظهر التزام المملكة بتعزيز شراكاتها مع الاقتصاد الأمريكي، الذي يُعد من أكثر الاقتصادات تأثيراً في العالم.

من جهة أخرى، شهدت العلاقات التجارية بين البلدين خلال العقد الماضي (2015-2024) نمواً ملحوظاً، حيث بلغت قيمة التجارة الإجمالية بينهما حوالي 1.34 تريليون ريال (357 مليار دولار). توزعت الصادرات السعودية، التي يغلب عليها النفط والمنتجات البتروكيماوية، بـ170 مليار دولار، مقابل واردات أمريكية بقيمة 187 مليار دولار، تشمل الآلات، السيارات، والأجهزة الطبية.

حضور لافت لقادة المال والأعمال الأمريكيين

زيارة الرئيس ترمب للسعودية جاءت مصحوبة بوفد بارز من قادة المال والأعمال الأمريكيين، الذين يديرون أصولاً تُقدر بتريليونات الدولارات. هذا الحضور اللافت يعكس أهمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ويوفر فرصاً جديدة للتعاون في مجالات مثل الطاقة، التعدين، الذكاء الاصطناعي، السياحة، البنية التحتية، والصناعات الدفاعية.

من بين أبرز الحاضرين، لاري فينك، رئيس شركة بلاك روك، التي تُعد أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم بأصول تتجاوز 11.6 تريليون دولار. كما شملت الوفود رؤساء شركات كبرى مثل ألفابت (الشركة الأم لجوجل)، أي بي إم، وبلانتير للصناعات العسكرية.

الاستثمارات الأمريكية في السعودية: خطوات نحو الأمام

على الجانب الآخر، تضخ الولايات المتحدة استثمارات مباشرة مهمة في الاقتصاد السعودي. ففي السنوات الثماني الماضية (2014-2023)، بلغ إجمالي الاستثمارات الأمريكية في المملكة حوالي 41 مليار ريال (11 مليار دولار)، منها أكثر من مليار دولار تم ضخها خلال عام 2023. هذه الاستثمارات تُبرز اهتمام الشركات الأمريكية بالسوق السعودية، التي تُعد واحدة من أسرع الأسواق نمواً في المنطقة.

شراكة تدفعها المصالح المشتركة

العلاقات الاقتصادية السعودية-الأمريكية ليست مجرد أرقام، بل هي شراكة مبنية على المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية. فالسعودية تُعد مركزاً إقليمياً مهماً ونقطة انطلاق للاستثمارات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، بينما تستفيد الولايات المتحدة من وجود شريك اقتصادي قوي ومستقر يسهم في دعم اقتصادها بطرق متعددة.

خاتمة: نحو مستقبل مشرق

مع تقاطع الرؤى الاقتصادية بين البلدين، تبدو الآفاق واعدة لمزيد من النمو والتعاون في مختلف القطاعات. زيارة الرئيس ترمب للسعودية ليست سوى بداية لحقبة جديدة من الشراكات الإستراتيجية، التي ستسهم في تحقيق أهداف المملكة الطموحة ورؤية 2030، وفي الوقت نفسه تعزز من مكانة الاقتصاد الأمريكي على الساحة العالمية.