تتصاعد التوترات الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة يومًا بعد يوم، خاصة في ظل القرارات الأخيرة التي اتخذتها بكين بفرض قيود تصدير صارمة وغير مسبوقة على سلسلة توريد المعادن النادرة. هذه الخطوة التي أثارت جدلًا عالميًا، لم تقتصر على التأثير في الاقتصاد الصيني فحسب، بل دفعت العديد من الدول إلى إعادة النظر في استراتيجياتها المتعلقة بسلاسل التوريد، مما شكّل فرصة مواتية للولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها الدولية.
تصعيد عالمي بسبب المعادن النادرة
هيمنت القيود الصينية الجديدة على النقاشات في قمة الاقتصاد العالمي، التي انعقدت في واشنطن هذا الأسبوع. وأوضح وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، أن الولايات المتحدة تعمل على بناء تحالف جديد يضم أوروبا، أستراليا، كندا، والهند، بالإضافة إلى الديمقراطيات الآسيوية، بهدف صياغة رد شامل على الإجراءات الصينية.
من جانبه، دعا وزير المالية الياباني كاتسونوبو كاتو مجموعة السبع إلى “التكاتف والتحرك” لمواجهة تحركات الصين، بينما أشار نظيره الألماني إلى احتمالية تبني الاتحاد الأوروبي ردًا جماعيًا. وتأتي هذه الجهود في وقت يستعد فيه رئيس الوزراء الأسترالي لزيارة واشنطن للتفاوض حول اتفاقيات جديدة تتعلق بسلاسل توريد المعادن الحيوية، في ظل مساعي الدول لتنويع مصادرها.
التحول في السياسات الصينية
قبل ستة أشهر فقط، كان الرئيس الصيني شي جين بينغ يقود حملة حشد دولية ضد الرسوم الجمركية الأميركية. لكن القيود الأخيرة التي فرضتها بكين على صادرات المعادن النادرة تُظهر تحولًا كبيرًا في استراتيجيتها، حيث تسعى إلى استخدام هذه الموارد كأداة ضغط اقتصادي وسياسي.
ورغم أن الصين بررت قراراتها بأنها رد فعل على القيود الأميركية، فإن هذه الإجراءات تلزم حتى المصدرين الأجانب بالحصول على تراخيص لشحن منتجات تحتوي على نسب من المعادن الصينية إلى أي وجهة في العالم. ويرى المراقبون، مثل كريستوفر بيدور من “غافيكال دراغونوميكس”، أن الصين قد تبالغ في استخدام نفوذها، مما يعرّض علاقاتها التجارية مع العديد من الدول للخطر.
ردود فعل دولية متباينة
بينما تحاول الصين التقليل من تأثير القيود على الدول التي تربطها بها علاقات تجارية جيدة، إلا أن الولايات المتحدة وحلفاءها يرون أن هذه الخطوة تشكل تهديدًا لسلاسل التوريد العالمية. فقد حذّر الممثل التجاري الأميركي، جيمسون غرير، من أن القيود الصينية قد تؤثر على صناعات عديدة، من الذكاء الاصطناعي إلى الأجهزة المنزلية، مما قد يعطل التجارة العالمية.
تشابه في الاستراتيجيات بين واشنطن وبكين
اللافت للنظر أن الاستراتيجية الصينية الأخيرة تعكس إلى حد كبير النهج الذي اعتمدته واشنطن خلال العقد الماضي، والذي يقوم على استخدام أدوات مثل ضوابط التصدير والعقوبات الاقتصادية. ومع أن الصين تمكنت من تحقيق نجاحات أولية باستخدام هذه الأدوات، إلا أن المراقبين يتساءلون عن مدى قدرة بكين على إدارة هذا النظام المعقد دون الإضرار بمصالحها الاقتصادية.
مخاوف من فقدان النفوذ
على الرغم من محاولات الصين تعزيز نفوذها من خلال التحكم في إمدادات المعادن النادرة، إلا أن هذه الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية. فقد بدأت العديد من الدول في تنويع مصادرها بعيدًا عن الصين، مما قد يؤدي إلى فقدان بكين هيمنتها على هذا القطاع الحيوي. ووفقًا لأليسيا غارسيا هيريرو، كبيرة اقتصاديي منطقة آسيا والمحيط الهادئ في “ناتيكسيس”، فإن إعادة النظر في استراتيجيات توريد المعادن النادرة قد تدفع الدول إلى البحث عن بدائل، مما يُكبّد الصين خسائر اقتصادية كبيرة.
الرد الأوروبي وتعزيز التحالفات
في خطوة تعكس تصاعد التوترات، يدرس الاتحاد الأوروبي إجبار الشركات الصينية على نقل تقنياتها إلى نظيراتها الأوروبية كشرط للعمل داخل الأسواق المحلية. كما أن قرارات مثل استحواذ هولندا على شركة “نيكسبيريا” تظهر أن الصين قد تواجه صعوبات متزايدة في ظل ردود الفعل الدولية.
