تشهد أسواق الليثيوم في الصين، أحد أهم المعادن المستخدمة في صناعة البطاريات، تقلبات حادة في الأسعار خلال الفترة الأخيرة، حيث دفعت المخاوف من اضطرابات الإمدادات المستثمرين إلى زيادة الطلب على هذا المعدن. هذا التحول يعكس توترات داخلية في السوق الصينية، التي تُعد من المراكز الرئيسية لإنتاج الليثيوم عالمياً.
ارتفاع الأسعار وزيادة المضاربات
في تداولات الجمعة الماضية، ارتفعت أسعار كربونات الليثيوم المتداولة في بورصة غوانغتشو للعقود المستقبلية بنسبة 8%، وهو الحد الأقصى المسموح به للارتفاع اليومي. وقد سجلت الأسعار مكاسب أسبوعية بلغت 14%، مما دفع البورصة إلى إصدار إشعار للحد من تداولات المضاربة. وعلى إثر ذلك، انخفضت الأسعار اليوم الاثنين بنفس النسبة اليومية المسموح بها، مما يعكس التأرجح الكبير في السوق.
إلى جانب ذلك، ارتفعت أسهم الشركات المنتجة لليثيوم، حيث سجلت شركة “تيانكي ليثيوم” وشركة “تشنغشين ليثيوم جروب” ارتفاعاً بنحو 25% خلال الشهر الجاري في بورصة شنتشن. هذا الارتفاع يعكس تأثير الطلب المتزايد على الأسواق، لكن في الوقت ذاته، تظهر تحذيرات من أن المضاربات قد تزيد من تقلبات الأسعار.
عوامل تقلص الإمدادات
شهدت الأسواق ارتفاعاً في الأسعار بسبب القلق من تقلص المعروض في ظل تركيز الحكومة الصينية على كبح الصناعات التي تعاني من فائض الإنتاج. وتُعد حملة الحكومة ضد “الإنهاك التنافسي” (Involution) أحد العوامل الرئيسية التي أثرت على الإنتاج. وقال روبن تيسيران، رئيس قسم معادن البطاريات في شركة “إس سي بي غروب”، إن المضاربات المتزايدة أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار خام السبودومين، مما تسبب في تقلبات شديدة في التداولات الدولية.
تُعتبر مدينة ييتشون، التابعة لمقاطعة جيانغشي، من أبرز مراكز إنتاج الليثيوم في الصين، حيث يُتوقع أن تسهم بحوالي 10% من الإنتاج العالمي لهذا المعدن خلال العام الجاري. ومع ذلك، شهدت المنطقة إجراءات حكومية صارمة، حيث طلب مكتب الموارد الطبيعية في ييتشون من شركات التعدين تقديم تقارير احتياطي الخام بحلول نهاية سبتمبر المقبل، وذلك بعد اكتشاف مخالفات في تسجيل التراخيص.
الإجراءات التنظيمية وتأثيرها على السوق
أدت التدقيقات الحكومية الأخيرة إلى تأثر عمليات الإنتاج في بعض الشركات. على سبيل المثال، أعلنت شركة “جيانغشي سبيشال إلكتريك موتور” عن إيقاف خطوط إنتاج أملاح الليثيوم لمدة 26 يوماً لأعمال الصيانة وخفض التكاليف. كما أوقفت شركة “سينوماين ريسورس غروب” مشروعاً في جيانغشي لمدة 6 أشهر لإجراء تعديلات تقنية.
وفي مقاطعة تشينغهاي، أمرت السلطات شركة “زانغي ماينينغ” بوقف أنشطة تعدين غير قانونية. ورغم أن التأثير على حجم الإنتاج لا يزال محدوداً، إلا أن هناك مخاوف من استخدام هذه الفحوصات كأداة للتحكم في المعروض.
تحديات السوق وتوقعات المستقبل
شهدت أسواق الليثيوم تقلبات كبيرة في السنوات الأخيرة. ففي عام 2022، وصلت الأسعار الفورية إلى ذروتها عند حوالي 600 ألف يوان (84 ألف دولار أميركي) للطن، قبل أن تنهار إلى نحو 60 ألف يوان نتيجة فائض المعروض وتباطؤ الطلب على بطاريات السيارات الكهربائية. لكن مع هذه التقلبات الأخيرة، باتت السوق تترقب إجراءات جديدة لكبح الفائض وضبط الإنتاج.
وفقاً لتوقعات المحللين، قد تؤدي عمليات التفتيش الصارمة إلى شح في الإمدادات إذا ما تم تنفيذها بصرامة. ومع استمرار زيادة الطلب العالمي على الليثيوم، خاصة في ظل التحول نحو السيارات الكهربائية، يظل مستقبل السوق غامضاً ولكنه محفوف بالتحديات.
