على مدى عقود، شكّلت الصين أحد أهم أسواق العلامات التجارية الفاخرة العالمية، معتمدةً على تزايد الطلب من الطبقة الوسطى المزدهرة. إلا أن السنتين الماضيتين شهدتا انقلاباً في هذا المشهد، حيث تراجعت مبيعات العلامات الأوروبية والأمريكية الفاخرة بشكل ملحوظ. ويعزى ذلك إلى الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبرّ الرئيسي الصيني، لا سيما انهيار أسعار العقارات، مما أثّر على القوة الشرائية للمستهلكين.
في وسط هذه الأزمة، برزت شركة المجوهرات الصينية “لاوبو غولد” (Laopu Gold) كواحدة من أبرز العلامات المحلية التي استطاعت ليس فقط الصمود، بل تحقيق نمو مذهل. فقد تضاعفت مبيعاتها خلال العامين الماضيين، وارتفعت قيمة أسهمها بأكثر من عشرين ضعفاً منذ إدراجها في بورصة هونغ كونغ.
العودة إلى الجذور: سرّ نجاح “لاوبو”
يكمن سر نجاح “لاوبو غولد” في قدرتها على المزج بين التقاليد الصينية العريقة والتصاميم العصرية. تأسّست أول متاجرها عام 2009 على يد شو غاومينغ، الذي وضع نصب عينيه إحياء تقنيات الحرف الصينية التقليدية. تتميّز مجوهرات “لاوبو” بزخارف ذهبية مشغولة يدوياً مستوحاة من رموز ثقافية صينية كالنباتات والرموز البوذية، مع إضافة لمسات حديثة مثل الطلاء غير اللامع وحبيبات الألماس والياقوت.
هذا المزج بين العراقة والحداثة أكسب العلامة شعبية واسعة بين الطبقة الوسطى الصينية التي تسعى إلى منتجات تعبّر عن هويتها الثقافية، خاصة في ظل تغيّر النظرة إلى العلامات الغربية. فكما عبّر أحد العملاء، تشن تيانمين: “لطالما ارتبط الغرب لدينا بصورة الرقي، لكننا اليوم ندرك أن أسعار العلامات الغربية غالباً ما تكون مبالغاً فيها”.
التوسّع المحلي والعالمي
رغم تركيز “لاوبو” على السوق الصينية، إلا أن نجاحها دفعها للتوسّع خارجياً. افتتحت العلامة مؤخراً فرعاً في سنغافورة، مع خطط لافتتاح آخر في طوكيو قريباً. وتتميّز متاجرها بتصميم داخلي يمزج بين الفخامة والبساطة، مستوحى من الطراز التقليدي لغرف المثقفين الصينيين القدماء.
تحدّي العلامات الغربية
لا تُعتبر “لاوبو” مجرد علامة محلية مزدهرة، بل تهديداً حقيقياً للعلامات الغربية الفاخرة مثل “كارتييه” و”فان كليف أند آربلز”. فأسعار تشكيلاتها تتراوح بين 1500 و7000 دولار، ما يجعلها أكثر رقياً من العلامات الجماهيرية وأقل تكلفة من معظم العلامات الفاخرة.
وفقاً لمحللين في “مورغان ستانلي”، تحتل “لاوبو” موقعاً مثالياً في السوق، إذ أنها تقدّم قيمة استثنائية تجمع بين الفخامة والقدرة الشرائية المناسبة. كما أن اعتمادها على منصات التواصل المحلية مثل “شياوهونغشو” ساهم في بناء قاعدة جماهيرية واسعة، حيث تجاوز عدد مشاهدات منشوراتها 500 مليون.
مستقبل المنافسة في السوق الصينية
رغم نجاح “لاوبو”، إلا أن المنافسة داخل السوق الصينية تزداد ضراوة. فقد بدأت علامات محلية أخرى مثل “تشو تاي فوك” بتبنّي استراتيجيات مشابهة عبر إطلاق مجموعات مستوحاة من التراث. ومع ذلك، يظلّ اسم “لاوبو” مرتبطاً بالابتكار والقدرة على استقطاب جمهور متنوع.
