شهدت الأسواق المالية الأمريكية اضطرابات ملحوظة مؤخرًا نتيجة ظهور نموذج ذكاء اصطناعي صيني منخفض التكلفة يُعرف باسم “ديب سيك”، والذي أثار قلق المستثمرين بشأن مستقبل التكنولوجيا في الولايات المتحدة. وقد كان لهذا التطور تأثير كبير على أداء الأسهم الأمريكية، خاصة تلك المرتبطة بقطاع التكنولوجيا، مما دفع العديد من المحللين والمستثمرين لإعادة تقييم استراتيجياتهم الاستثمارية.
تهديد هيمنة الشركات الأمريكية العملاقة
يُعتبر قطاع الذكاء الاصطناعي أحد المحركات الرئيسية للنمو في سوق الأسهم الأمريكية خلال العامين الماضيين. فقد ساهم التفاؤل بشأن إمكانيات الذكاء الاصطناعي في رفع أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل “إنفيديا”، التي كانت من بين الشركات السبع العملاقة التي دعمت مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، محققة مكاسب تجاوزت 25% في عام 2024.
لكن ظهور نموذج “ديب سيك” الصيني، الذي يُمكن تدريبه بفعالية باستخدام موارد أقل تكلفة، أدى إلى تراجع كبير في أسهم هذه الشركات. فقد انخفض مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 1.5% يوم الاثنين، بينما شهد مؤشر “ناسداك 100” تراجعًا حادًا بنسبة 3%، مما أثار مخاوف من تأثير طويل الأمد على السوق.
تراجع أسهم التكنولوجيا الكبرى
من أبرز الأمثلة على التأثير السلبي للنموذج الصيني، انخفاض سهم “إنفيديا” بنسبة 17% في يوم واحد. ويرى المحللون أن هذا الانخفاض يعكس مدى ارتباط السوق بأداء الشركات العملاقة، حيث تمثل هذه الشركات حوالي ثلث وزن مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” و45% من مؤشر “ناسداك 100”.
ووفقًا لسيث هيكل، الشريك الإداري في شركة “مايندسيت ويلث مانجمنت”، فإن معظم الأمريكيين الذين يمتلكون محافظ تقاعدية أو يستثمرون بشكل سلبي تأثروا بشكل كبير بسبب تراجع أسهم “إنفيديا”، مما يعكس الترابط العميق بين هذه الشركات وأداء السوق ككل.
فرص جديدة وسط التحديات
على الرغم من تأثير “ديب سيك” السلبي على بعض الشركات الكبرى، إلا أن هناك بعض القطاعات التي استفادت من هذه التطورات. فقد ارتفعت أسهم شركات الأمن السيبراني مثل “بالو ألتو نيتوركس”، وشركات البرمجيات مثل “سيرفس ناو”، بنسبة 1%، مما يشير إلى إمكانية تحول الزعامة في قطاع التكنولوجيا نحو شركات أخرى.
تيفاني ويد، مديرة محفظة في “كولومبيا ثريد نيدل إنفستمنتس”، علقت على ذلك بقولها إن الأنباء المتعلقة بـ”ديب سيك” قد تؤدي إلى إعادة توزيع الاستثمارات، مما يوفر فرصًا جديدة في قطاعات أخرى بخلاف الذكاء الاصطناعي.
مخاطر التصحيح المحتمل في الأسواق
يرى محللو “كابيتال إيكونوميكس” أن قدرة النماذج الصينية على العمل بكفاءة باستخدام موارد أقل تُشكل خطرًا محتملاً على الأسواق الأمريكية. وأشاروا إلى أنه إذا استمرت هذه النماذج في التطور، فقد يؤدي ذلك إلى تصحيح جديد في سوق الأسهم الأمريكية، مما يُضعف المراكز المهيمنة لبعض الشركات الكبرى.
نقطة تحول في الاستثمار
مع زيادة التركيز على الشركات الضخمة في المؤشرات الرئيسية، قد تضطر صناديق الاستثمار إلى تغيير استراتيجياتها. شمس أفزل، مدير محفظة في “كارنجي إنفستمنت كاونسل”، أشار إلى أن السوق لم تعد توفر نفس الفرص للاستثمار السلبي كما كانت في العقد الماضي، مما يجعل الاستثمار النشط أكثر أهمية.