في ظل الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية المتصاعدة، والتقلبات الحادة في أسعار الطاقة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، أصبحت الديون العامة تمثل هاجسًا كبيرًا للعديد من الدول العربية. ما كان يُعتبر في الماضي أداة تمويل أصبح اليوم عبئًا يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة. وبينما تحاول بعض الدول احتواء العجز المالي من خلال الاقتراض، تجد نفسها في مواجهة ضغوط متزايدة بفعل ارتفاع تكاليف خدمة الدين وضعف الإيرادات، إضافة إلى تقلص فرص الحصول على تمويل خارجي بشروط ميسرة.
الدول الأكثر ديونًا: السودان ولبنان في الصدارة
وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي لعام 2025، تصدّر السودان قائمة الدول العربية الأكثر مديونية، حيث بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 252%، بعد أن كانت 272% في العام السابق. تعود هذه النسبة المرتفعة إلى عقود من الإفراط في الاستدانة وسوء الإدارة، فضلًا عن العقوبات الدولية التي قيدت قدرته على الحصول على تمويل خارجي. كما ساهمت الاضطرابات السياسية، والحرب الأهلية المستمرة، وانفصال جنوب السودان، الذي أفقد البلاد 75% من إنتاجها النفطي، في تفاقم الأزمة.
وفي المرتبة الثانية، جاء لبنان بنسبة دين عام إلى الناتج المحلي بلغت 164.13%. تعود جذور أزمة الديون اللبنانية إلى السياسات الاقتصادية التي اعتمدت على الاقتراض لتمويل إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية. ومع تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية منذ العام 2019، شهدت البلاد انهيارًا ماليًا، أدى إلى تخلفها عن سداد سندات اليوروبوند في مارس 2020، ما جعلها واحدة من أكثر الدول عرضة لخطر الديون.
الدول الأقل ديونًا: الكويت والسعودية والإمارات
على الجانب الآخر، تُعد الكويت الدولة العربية الأقل مديونية، بنسبة دين عام إلى الناتج المحلي لا تتجاوز 3.04%، رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها بسبب اعتمادها الكبير على النفط. ومع ذلك، لجأت الكويت إلى السحب من صندوق الاحتياطي العام لتمويل عجز الموازنة.
أما السعودية، فقد بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي نحو 30.5% في العام 2024، وهي نسبة منخفضة نسبيًا مقارنة بالدول الأخرى. يعود ذلك إلى السياسات المالية الحذرة التي تبنتها المملكة، بالإضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية التي ركزت على تنويع الاقتصاد ضمن رؤية 2030. كما ساعدت الإيرادات النفطية والسياسات المالية المتوازنة في الحفاظ على استقرار الدين العام.
وفي الإمارات، بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 32.1% في عام 2024. بفضل استراتيجيات تنويع الاقتصاد وتحول الدولة إلى مركز عالمي للتجارة والاستثمار، تمكنت الإمارات من الحفاظ على نسبة معتدلة من الديون مقارنة بحجم اقتصادها.
أثر الديون على الاقتصاد والنمو
لا شك أن الديون العامة تؤثر على النمو الاقتصادي للدول، لكن حجم التأثير يعتمد على كيفية استخدام هذه الديون. ففي الدول التي توجه القروض نحو الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والصحة، يمكن أن تسهم الديون في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل. بالمقابل، فإن الدول التي تعتمد على القروض لسد العجز المالي دون استثمارها في مشاريع إنتاجية تعاني من تبعات سلبية، أبرزها ارتفاع تكاليف خدمة الدين وتزايد الاعتماد على التمويل الخارجي.
هل تتجه المنطقة نحو أزمة ديون شاملة؟
تشير البيانات إلى أن بعض الدول العربية، مثل السودان ولبنان ومصر، تقترب من حافة أزمة ديون شاملة. في السودان، أدى الصراع السياسي والحرب الأهلية إلى تعقيد الوضع المالي بشكل كبير. أما لبنان، فما زال يعاني من تبعات الانهيار الاقتصادي الذي بدأ في 2019. في حين أن مصر، رغم الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها خلال السنوات الأخيرة، ما زالت تواجه تحديات تتعلق بارتفاع تكاليف خدمة الديون واعتمادها على التمويل الخارجي.
